- ربما إذا قرأت آية الكرسي و المعوذتين "اجد نفسى امام عتبة الباب ، و أستطيع حتى في الظلام أن أتجاوز المسافات في لهفه للوصول حاملا فول ورغيف لابد انهم ينتظرون مجيئى فقط لانهم يتضورون جوعا.. اما انا كنت اعيد شريط ذكرياتى هذا الصباح مع اصحابى ..بعد يوم طويل وممل احيانا فى دهاليز المدرسه وانا مازلت اهدد بمصادرة احترامى لتلك المعلمه لانها ضربتنى بلا ذنب .حتى سقط ثوبها فزادتنى ضربا عندما ضحك الحضور من ذلك المشهد المثير .اه.. اللعنة ...... لماذا ترتبط ليالي الصيف دائما بانقطاع التيار الكهربي ؟ !الظلام يسيطرعلى المكان!
و لكن ماذا لو ..؟!! .. آسف إنني لست ضعيف الإيمان ، و لكن أليس (البعاتى)- والذى كنا نتناول الدواء خوفا منه- كائنات خارقة لها القدرة على قراءة أفكارنا ؟. يعرفون أنك خائف .. أنت ترتعد هلعا و أذناك تستقبل الدقات الهادرة لصدرك .. فرق بين أن تقرأ المعوذتين و أنت مسترخ مطمئن ، و بين أن تترك الخيار لقلبك الخايف يرددها رعبا .. ووعيك غارق في الظلام الدامس الذي ينتظرك ليحتويك في غياهب الليل الطويل فيهدأ بضياء الرتينه والشمعه التى وضعت فوق ذلك الطبق المزخرف.
- قل يا حبيبي : " قل أعوذ برب الفلق " ...
كانت أسعد اللحظات في حجر خالتى المكتنز الوثير و هي تستقبلك بفرحة عينيها لتعلمك من قصار السور كل صباح كما كانت تفعل امى
- ما تضرب كديس و لا كلب ، إذا شفت كديسه سودا قول : " بسم الله الرحمن الرحيم اقول فى نفسى "حتى انتى يا خالتى " النبى نوح" اطلع فوق السرير " النبى نوح"
كانت عيناها المليئتان بالكحل تشعان بفرح يغمرك و هي تفتح لعينيك الطفلتين عوالم لم يمنعها ضيقها من أن تجوبها معك بذهن يزخر بألاف القصص المبهرة وحكايات قابله للهلوسه الليليه والناس نيام ، و حب بلا حدود ينسيك حتى غياب أمك في المستشفى بعد ولادة أخرى متعسرة لأخ آخر مات عقب ولادته وجدتى فى ركن المنزل تضع على شعرها مادة سحريه تعيدها الى الوراء قليلا دون عناء
كنت انظر اليها بطرف خفى وكنت اتجنب المرور من امامها فهى ان رأتنى ستحرك شفتيها السوداء لتأمرنى بشىء وبالفعل ( تعال حبيبى جيب لى حبوبتك مويه) حتى ان لم تكون فى حوجه للماء فقد راقبتها مرات بأنها تضع الكوب فى فمها دون ان تتناقص كمية الماء ولا ادرى لماذا –الكل يقول حبيبى ولكن الكل ايضا يضربنى او على الاقل ينهرنى هل هذه ممارسه للازدواجيه الاسريه؟؟؟؟ لماذا يأخذون أمي في كل مرة ؟ متى سوف ترجع ؟ ما معنى " المستشفى " ؟
كانوا يجيبون إجابات مختصره لا معنى لها ثم يتهامسون حينما يظنونك قد نمت .. كلمات يحاولون أن يجعلوها عادية يومية بينما يفضحهم الهلع الناضح من همسهم
- الأوضة اللي ولدت فيها مليانه ... البت ضربت الشافع ... فاطنه جارتهم شافت اثر صوابع زرقاء على جسم الولد الذى يصيح ... فوزية بتحلف إن البخور مالى الأوضة ساعة الولادة ...عثمان كان بدور بت امنه اللا جا ود حسين من بره جاهز,, وصاحت اخرى هوى يا الحسانيه - الله يحلها بالسلامه.... الجماعه اتاخرو...
و عندما تتوسل إلى خالتك كي تأخذك الى المستشفى تشرئب بحنانها تعرف أنها لن ترفض طلبك ... تحملك على كتفيها النحيلتين رغم اعتراض الناس بأنك قد كبرت و أصبحت في الخامسه
- الله أكبر .. خمسة في عينكم . . كر على .. الله اكبر عليكم .. كان محموم و عيان طول الليل .... " قل أعوذ برب الفلق "
قالتها خالتي و هي تدفع إحداهن بعنف لكي تنزل من الحافلة في طريقنا إلى المستشفى
- حاسبي ياختي ... الله أكبر عليكي.. " قل أعوذ برب الفلق "
أندفع منفلتا من خالتي و صراخها الملح بأن أعود إليها كيلا أتوه .. أمرق من خلال سلم كبير أبيض يفوح برائحة الفنيك والديتول .. يلتف لكي اطوى البعد انظرفأرى امراة بدينة فى ثوب ابيض ولكن لا اجد حنان حجر جدتى و لا أمان كتف الخالة .. أرتعد .. أنكمش في ركن السلم .. يخرج جسد ضخم - قط أسود يزيد رخام السلم برودة .. أنفجر في البكاء .. تطل الخالة لتحتضنني بيد و تحمل باليد الأخرى عمود الطعام .. ندور يمينا ثم يسارا فنجد أمي في عنبر يكتظ بالنسوة اللائى أجهدهن صراعات الولادة . وامى اعياها الام المخاض.
- خالتي .. ديل مالم مضايقين امى كده فى السرير ؟!!!
تنطلق ضحكة مدويه من امرأة يبدو من شكلها و سلوكها أنها تقيم منذ زمن بالعنبر إقامة فندقية ممزوجة بشىء من البلطجة .. علامات الصحة على وجهها و جسدها رغم ارتدائها ملابس تدل على انها مريضه .
تنصرف مع خالتك بعد انتهاء الزيارة و تعودان للبيت .
- خالتي .. اعيد السؤال لخالتى على انفراد: ديل مالم مضايقين امى كده…..?
- لا تخف يا حبيبي .. إنهم فقط مكلفين برعايتها "تمر عليك مواقف لاتنسى بانقلاب الزمن البرىء تمر بالطابونه ومجموعه يشربون الشيشه وفتيات متكلفات فى الممرات يغمسن بكلمات هامسه و ضحكات ماجنة ..بينما صوت الخالة يسحبنى اليها :
- بسم الله الرحمن الرحيم ،يا ولد ما عندك شغله بالناس .تستدير للخلف فتلمح طبليه فتصيح :- خالتى انا داير طعميه. احسن مما تتابع لى الناس تعمل لى فضيحه
- الحمد لله ، ربنا ستر ..
لماذا تموت في مكانك رعبا ؟ لماذا تشعر بأن قدميك لم تعودا ملكك و لماذا يتشنج حلقك من فرط الجفاف ؟! .. لماذا دائما كلما حاولت مواجهة الخوف تضبط نفسك متهما بالهروب منه ؟! .. لماذا دائما تتوقع ما لا يحمد عقباه ؟!
إنهم يسخرون مني ..... أنا أعلم ان هناك اشياء كثيره لا اعرفها ولكن الكل يزجرنى اذا بحثت عن الحقيقه ولا انسى عندما تحدر لى امى فاسكت حتى الصباح خوفا فألجأ الى كراستى و العابى حتى يسيل لعابى
ضحكات ماجنة تتهادى من بيت المهندس الذي يجاورك في نفس الحله.
ربما إذا أطلقت ساقاي للريح إلى أسفل حيث الشارع .. أستنجد بالناس .. استأنس بعواميد النور ؟!! ..( يا لك من أبله عديم النضوج ) .. ما اعرفه ان المهندس سافر ليكافح وراء لقمة العيش وتحسين مستوى المائده والفائده..هكذا تهادت . ولكنى اسمع صوت رجل يضحك وينادى ياوليه: فاتساءل ببراءه : خالتى ده منو؟ اسكت يا ولد كويس لو ما كلمت ليك ابوك؟ فيظل السؤال مسكوت عنه دون اجابه. تعال ياولد احفظ " قل أعوذ برب الفلق " .. " قل اعوذ برب الناس"خالتى الناس ديل منو؟ لمن تكبر حتعرف انت بس احفظ . ياتى ابوك..هو يعلم أنك خائف .. ترتعد و أن شفتيك تنطقان بينما قلبك يقاسي آلام المصروعين في واد آخر .. أنت لا تملك الاختيار الحتمي في أن تبقى مكانك .. حاول الهرب!!! دون جدوى.
" قل أعوذ برب الفلق "هذا كل ما اعرف .. ربما لو أستعد بإخراج مفتاح العربه من جيب البنطلون .لظننت انه سيصفعك بشىء. ( ينظر إليك بعينيه يا ولد بتسمع كلام الكبار ؟ تذكرت .. ما تضرب كديس و لا كلب .. إذا شفت كديسه سودا قول : بسم الله الرحمن الرحيم .
هل هذ ما يعنيه؟: فهل استحق العقاب؟؟؟
فاتناول الحلوى بيد ترتجف اضعها فى فمى لا اجد لها طعما حتى يختفى ابى خلف الاشجار ولا يرى بالعين المجرده.....
كبرت باحلامى بهفوات وتفاصيل وبراءه بعضها ممله والاخرى ممتعه ... لكنى كنت احفظ حتى طوال السور .. ويس , والقصص , والسماء والطارق , رحم الله الشيخ الذى كان يشبعنا ضربا ومازلت اتذكر ذلك الصوت المرتجف بالتلاوه وذلك المصحف باوراقه المتهالكه...واللوحه الممتده التى كانت تنوء بنا حملها...
مرت سنين وشب عودنا وقويت عريكتنا ومازلنا نجتر الزكريات وقد تلونت المسارح تغيرت الملامح وتبدلت المطامح والمطامع
كبرنا وكبرت معنا اشياء اخرى....امانى تحققت واخرى لم تر النور جمعتنا محطات باناس احببناهم وسرعان ماتحرك بنا القطار عابرا محطات وشوارع وقد أعلن القطبان انه لن يعود فادركنا انه الفراق الذى ساقنا الى هذه المحطه وربما تكون هى الاخيره يا ليت الورى يطوى ويسبق الانفاس الخطوات كما سبق الشوق اللقيا.
ولاتحزنوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما اتاكم